غزة / معتز شاهين:
بين تجارب تفاوضية متراكمة واتفاقات جزئية لم تصمد، تطرح المقاومة الفلسطينية خيار "الرزمة الواحدة" كاستراتيجية جديدة لوقف الحرب عن غزة والإفراج عن الأسرى دفعة واحدة، وسط رفض "إسرائيلي" يقوده "بنيامين نتنياهو"، الذي يرى في وقف الحرب تهديدًا مباشرًا لمستقبله السياسي.
في هذا السياق، يرى مختصون ومحللون في الشأن السياسي أن إصرار المقاومة على اتفاق "الرزمة الواحدة" يأتي في إطار مراجعة تجربة الاتفاقات الجزئية السابقة، التي لم تنجح في وقف الحرب على غزة، بل مكّنت "نتنياهو" من إطالة أمدها.
وأجمع هؤلاء، في أحاديث منفصلة مع صحيفة "الاستقلال" يوم امس، على أن نموذج "الرزمة الواحدة" يمثل ورقة قوة بيد المقاومة، لأن عنوانه الأساسي هو وقف الحرب، وهو ما يرفضه "نتنياهو"، الذي يدرك أن وقف الحرب يعني عمليًا نهاية مستقبله السياسي.
وأعلن خليل الحية، رئيس حركة "حماس" في غزة، مؤخرا، استعداد الحركة وفصائل المقاومة للدخول الفوري في مفاوضات حول اتفاق شامل، يشمل تبادل الأسرى، ووقفًا كاملًا للحرب، وانسحاب الاحتلال من غزة، وبدء عملية الإعمار، ورفع الحصار بشكل نهائي.
وأكد الحية رفض حركته إلى جانب فصائل المقاومة لأي اتفاقات جزئية، مشيرًا إلى أن رئيس حكومة الاحتلال، "بنيامين نتنياهو"، يستغل هذا النوع من الصفقات كغطاء لاستمرار حرب الإبادة في القطاع. كما عبّر عن ترحيبه بموقف آدم بولر، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشأن الاستعداد لإنهاء ملف الأسرى والحرب معًا.
وفي السياق ذاته، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عصمت منصور أن إصرار المقاومة على اتفاق "الرزمة الواحدة" يأتي في إطار مراجعة تجربة الاتفاقات الجزئية السابقة، التي لم تنجح في وقف الحرب على غزة، بل منحت رئيس حكومة الاحتلال، "بنيامين نتنياهو"، مكاسب سياسية مكنته من إطالة أمد الحرب وتعزيز وضعه الداخلي.
وأوضح منصور، في حديث خاص لصحيفة "الاستقلال"، أن تقديم الأسرى على دفعات ساعد "نتنياهو" في تسجيل "إنجازات" داخلية، دون الالتزام بوقف شامل لإطلاق النار، ما أدى إلى إضعاف الموقف الفلسطيني وتآكل أوراق القوة لدى المقاومة.
وأردف: "كلما تقلّص عدد الأسرى، خفّ الضغط على نتنياهو، واستمر في إبقاء الحرب قائمة، وبالتالي فإن خيار الرزمة الواحدة يشكّل استدراكًا استراتيجيًا لإبقاء الضغط مستمرًا".
واعتبر منصور أن من الناحية التفاوضية، يمثل اتفاق "الرزمة الواحدة" ورقة قوة بيد المقاومة، حيث يربط بين وقف الحرب والإفراج عن الأسرى، مما يعزز مصداقيتها ويمنحها موقفًا تفاوضيًا أقوى. وأضاف: "هذه الورقة كانت لتكون أكثر تأثيرًا لو طُرحت في وقت كان عدد الأسرى أكبر، لكنها لا تزال تحتفظ بقدرتها على التأثير".
وفيما يخص العقبات أمام تنفيذ اتفاق شامل، رأى منصور أن المعضلة الأساسية تكمن في رفض نتنياهو إنهاء الحرب، في ظل غياب أوراق ضغط فعلية، سواء من الداخل الإسرائيلي أو من الوسطاء أو حتى من الولايات المتحدة، ما يترك الأمور في حلقة مفرغة لا تُكسر إلا بتطور ميداني أو سياسي كبير.
واستبعد المحلل السياسي قبول "إسرائيل" باتفاق شامل في الوقت الحالي، نظرًا للمعادلات القائمة، معتبرًا أن "نتنياهو لن يوافق على إنهاء الحرب ما لم يتحقق تغيّر جذري في قطاع غزة يشمل تقويض حكم حماس وتحقيق صورة انتصار ما"، مضيفًا أن "الرهان على الوقت دون ضغط أميركي فعّال هو مغامرة مكلفة".
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي فايز سويطي أن إصرار حركات المقاومة على التوصل إلى اتفاق شامل بنظام "الرزمة الواحدة" يعكس خبرتها التفاوضية، ورغبتها في تجنب تكرار فشل الاتفاقات المرحلية السابقة، التي غالبًا ما نقضها الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح سويطي لـ"الاستقلال"، أن المقاومة باتت تدرك جيدًا نقاط الضعف والقوة لدى الاحتلال، وهي اليوم أكثر حرصًا على الحصول على ضمانات دولية قوية لأي اتفاق، نظرًا لعدم ثقتها في التزام إسرائيل بالاتفاقات دون رعاية وضمانات واضحة.
وأشار إلى أن نموذج "الرزمة الواحدة" يمثل ورقة قوة بيد المقاومة، لأن عنوانه الأساسي هو وقف الحرب، وهو ما يرفضه رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي يدرك أن وقف الحرب يعني عمليًا نهاية مستقبله السياسي.
ولفت سويطي إلى أن أبرز العقبات أمام التوصل إلى اتفاق شامل تتمثل في صعوبة إيجاد وسطاء جادين وضمانات دولية موثوقة تضمن تنفيذ أي تفاهم يتم التوصل إليه. كما أشاد بإدارة المقاومة الذكية والبارعة للحرب الإعلامية، من خلال استثمارها في نشر فيديوهات للمختطفين بهدف التأثير على الرأي العام الإسرائيلي وتحقيق اختراقات ملموسة في هذا المجال.
وأكد أن المقاومة الفلسطينية نجحت في استثمار حالة الغضب الشعبي داخل "إسرائيل"، حيث تخطى عدد الموقعين على عريضة تطالب بوقف الحرب حاجز المئة ألف توقيع، وهو رقم غير مسبوق يشكّل ضغطًا كبيرًا على حكومة نتنياهو، وقد يكون أكبر ورقة ضاغطة لفرض وقف إطلاق النار.
وأشار سويطي إلى أن "نتنياهو" يواصل المناورة، مدعيًا أن الضغط العسكري هو الحل لتحرير الأسرى، رغم فشل هذا النهج منذ بداية الحرب، مؤكدًا أن إصراره على استمرار القتال يهدف إلى تفادي محاكمته في قضايا فساد، حتى لو كان ذلك على حساب أمن واستقرار إسرائيل والمنطقة.
التعليقات : 0